الموت في بيروت… والعدالة في صوفيا

بعد أربع سنوات على كارثة انفجار مرفأ بيروت التي دمّرت نصف العاصمة وقتلت المئات، تلقّى مسار العدالة صفعة جديدة جاءت هذه المرّة من بلغاريا. إذ رفضت محكمة بلغارية تسليم الروسي إيغور غريتشوشكين، مالك السفينة التي حملت نيترات الأمونيوم، إلى لبنان، في قرار يعكس مرة أخرى أن العدالة في قضية المرفأ ما زالت معلّقة بين العواصم.

القرار استند إلى مبدأ أوروبي واضح: لا تسليم لمشتبه به قد يواجه عقوبة الإعدام. فقد أوضحت المحامية البلغارية إيكاترينا ديميتروفا أنّ لبنان لم يقدّم أي ضمانات رسمية تُؤكّد أنّ المتهم، في حال صدور حكم بإعدامه، لن تُنفّذ العقوبة.

هذا الشرط ليس تفصيلاً. فالاتحاد الأوروبي، الذي ألغى الإعدام بالكامل، يُلزم دوله بعدم تسليم أي مطلوب إلى بلد ما زالت عقوبة الإعدام موجودة في قوانينه، ما لم يُقدَّم تعهد خطي وملزم بعدم تنفيذها.
ورغم أن لبنان لا ينفّذ أحكام الإعدام منذ سنوات، إلا أن وجودها في النصوص القانونية، خصوصاً في الجرائم الكبرى كالقتل والإرهاب، يعطي الدفاع في أوروبا حجّة قوية لمنع التسليم.

هنا ينكشف الخلل: كان على السلطات اللبنانية أن ترافق طلبها بضمانة رسمية بعدم تنفيذ الإعدام. هذا الإغفال، سواء كان ناتجاً عن تقصير إجرائي أو عدم فهم لمتطلبات التعاون الدولي، أعاد الملف إلى نقطة الصفر وأهدر فرصة ثمينة لمحاسبة أحد أبرز المتورطين.

أصبح غريتشوشكين اليوم رمزاً إضافياً لتعطّل العدالة في قضية المرفأ. فبينما تتمسّك المحكمة البلغارية بـ”الحق في الحياة” كقيمة عليا، تعيش عائلات ضحايا الانفجار شعوراً مضاعفاً بالخيبة: العدالة الدولية لا تتحقق، والعدالة المحلية متوقفة.

ورغم إمكانية استئناف القرار خلال سبعة أيام أمام محكمة الاستئناف في صوفيا، إلا أن المسار يبقى طويلاً ومعقداً، فيما يظل المتهم محتجزاً ريثما يُبتّ بالاستئناف. لكن هذه الإجراءات الشكلية لا تغيّر الحقيقة الأساسية: العدالة ما زالت مؤجلة… بانتظار ضمانات لم تقدّم بعد.

وهكذا، يبقى أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث مثالاً صارخاً على عدالة مقيدة، عالقة بين نصوص قانونية أوروبية وإخفاقات لبنانية مستمرة. والنتيجة: موت في بيروت… وعدالة هائمة في صوفيا